العموم نيوز- تواصل سلطنة عُمان إحراز تقدم لافت في تنفيذ مستهدفات رؤية عُمان 2040، إذ أصدرت وحدة متابعة تنفيذ الرؤية في 27 أكتوبر 2025 تقريرها الدوري الرابع لعامي 2024–2025، والذي كشف عن تحقيق 74% من المؤشرات المستهدفة.
ويعكس هذا الإنجاز تطوراً في الأداء الحكومي والاقتصادي، من خلال سياسات ترتكز على الشفافية والتكامل بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، بما يعزز استدامة النمو والتحول الهيكلي للاقتصاد الوطني.
وتشير البيانات الحديثة إلى أن سلطنة عُمان تمضي بخطى ثابتة نحو التحول الاقتصادي والاجتماعي، عبر منظومة تنفيذية تعتمد المتابعة الدقيقة والمساءلة وتبنّي ثقافة قياس الأداء في مختلف القطاعات.
تقدّم الرؤية
أوضح التقرير أن التنفيذ يسير بوتيرة منسجمة مع الخطط الاستراتيجية المعتمدة منذ عام 2021، مؤكداً أن نشر التقرير الدوري يأتي في إطار تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية كركيزتين للحَوكمة الوطنية.
وقال رئيس وحدة متابعة تنفيذ الرؤية، الدكتور خميس الجابري، إن ما تحقق من نتائج ملموسة يعكس التزام الجهات الحكومية كافة بمسؤولياتها، وأن التكامل المؤسسي هو العامل الحاسم في تحقيق التحول المنشود.
وأضاف الجابري في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء العمانية، في 27 أكتوبر 2025، أن التجربة العُمانية أظهرت قدرة الدولة على المواءمة بين الأولويات الوطنية والتطورات العالمية، ما يجعلها أكثر استعداداً لمواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المباشرة على خطط التنمية.
وشهدت الأنشطة غير النفطية نمواً متسارعاً مدعوماً بمشروعات التنويع والاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
فقد ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية إلى أكثر من 63% من الناتج المحلي الإجمالي حتى منتصف 2025، مدفوعة بالتوسع في الصناعات التحويلية والسياحة والخدمات اللوجستية.
كما واصلت السلطنة تعزيز جاذبيتها الاستثمارية عبر مبادرات تسهيل الأعمال وإطلاق منصة المستثمر الرقمية وتحديث التشريعات الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي مجال الطاقة المتجددة، تمضي مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والرياح في مراحل متقدمة من التنفيذ، بما يدعم مستهدف خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
مؤشرات إيجابية
ويؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي أن وصول نسبة الإنجاز العالية في الرؤية خلال مدة زمنية قصيرة يعد نجاحاً كبيراً ويعكس طموحاً عالياً في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
ويشير، في حديثه مع “الخليج أونلاين”، إلى أن هذه النسبة المرتفعة مؤشر مهم في الجانب الاقتصادي، حيث تتم مواكبة التطورات الرقمية والتقنية المتسارعة، مع التركيز على الشفافية ومحاربة الفساد.
ويلفت الهادي إلى أن سلطنة عُمان تقدمت خطوات كبيرة في هذا الجانب وحققت مؤشرات استثمار مرتفعة، وهو ما يدعم ثقة المستثمرين.
ويبين أن وجود مؤسسات تعتني بهذا القالب، مثل محكمة الاستثمار والتجارة، وأجهزة الحوكمة والرقابة المالية والإدارية، وفريق التفاوض الوطني، يعزز من ثقة المستثمرين.
وتصب “رؤية عُمان” في مصلحة التحول إلى اقتصاد رقمي واقتصاد متنوع ومستدام، وأن النسبة المحققة تعد نتيجة طبيعية لجهود السلطنة في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمار الخارجي.
ويضيف الهادي أن الموقع الاستراتيجي لعُمان على طرق التجارة البحرية والجوية والبرية، وامتلاكها لموانئ صاعدة كميناء صلالة، كلها عوامل تعزز هذا التحول الكامل.
ويعتقد الباحث أن المسار واضح والبنية الهيكلية للاقتصاد العُماني تتشكل بشكل جديد، وليست مجرد نمو طبيعي وعادي، بل هي تشكل هيكلي جديد ناتج عن خطة استراتيجية مرسومة بعناية.
ويتحدث الهادي حول التحديات التي تواجه السلطنة، مشيراً إلى القلق والأحداث المتفجرة في المنطقة، وتقلبات أسعار النفط والغاز، والتحديات الاجتماعية المتعلقة بالباحثين عن العمل.
ويرى أن الإنجاز المحقق يعكس التوازن في المسار الاقتصادي مع التنمية الاجتماعية والثقافية، حيث يظل الإنسان دائماً هو محور التنمية في عُمان، مع إيلاء عناية خاصة بالتنمية البشرية.
ويؤكد الهادي، في ختام حديثه، أن هذه المؤشرات الإيجابية في الاقتصاد والتطور الملحوظ تعكس مساراً تنموياً قوياً، متوقعاً أن يستمر زخم النمو على الرغم من التحديات الإقليمية والدولية.
القطاعات التنموية
وأكد التقرير تحقيق تطورات نوعية في القطاعات الاجتماعية والتعليمية والصحية بوصفها ركائز لتحسين جودة الحياة وتمكين المواطن.
ففي قطاع التعليم، واصلت السلطنة تطوير منظومة تعليمية قائمة على الجودة والتكامل، مع تحديث المناهج وفق السلاسل العالمية في العلوم واللغة الإنجليزية وتقنية المعلومات، وتفعيل النظام الوطني لتقويم المدارس وتعزيز مهارات القراءة الرقمية.
كما يجري تنفيذ إطار وطني للتعليم المهني والتقني بالشراكة مع القطاع الخاص لتأهيل الشباب لمتطلبات سوق العمل.
وفي التعليم العالي، ارتقت جامعة السلطان قابوس إلى المرتبة الـ334 عالمياً بعد أن كانت في المرتبة الـ362، مع دخول ثلاث جامعات خاصة التصنيف الدولي لأول مرة.
وفي الابتكار، تقدمت سلطنة عُمان 5 مراتب في مؤشر الابتكار العالمي لتصل إلى المركز الـ69، وقفزت 60 مرتبة في مؤشر براءات الاختراع لتبلغ المرتبة الـ38 عالمياً، كما نالت المركز الـ47 في مؤشر العلامات التجارية.
وسُجل اعتماد 475 مشروعاً بحثياً وتمويل 61 مشروعاً تطبيقياً بقيمة تجاوزت 2.5 مليون ريال عُماني (6.5 مليون دولار)، إضافة إلى 128 براءة اختراع وأكثر من 5000 باحث في منصة “شعاع”.
كما أسهمت مبادرات مثل أبجريد ومهرجان عُمان للابتكار ومختبر الأمن السيبراني في تحويل البحوث إلى تطبيقات وشركات ناشئة تعزز اقتصاد المعرفة.
الخدمات والمجتمع
وشهدت الخدمات الصحية تطوراً ملحوظاً مع افتتاح 10 مؤسسات صحية جديدة وتطوير 21 منشأة أخرى، إلى جانب تدشين المدينة الطبية الجامعية ومستشفى الأجهزة العسكرية والأمنية، وتنفيذ أول عملية زراعة قلب من متوفى دماغياً في البلاد.
كما تم تفعيل العيادات الافتراضية ونظام الحجز الإلكتروني، والتوسع في الفحص المبكر للأمراض الوراثية والمسح الوطني للأمراض غير المعدية، مع دمج خدمات الصحة النفسية ضمن الرعاية الأولية.
وفي مجال الحماية الاجتماعية، توسعت برامج الإسكان الاجتماعي عبر تمويل أكثر من 61 ألف أسرة وتقليص فترة الانتظار لأقل من ستة أشهر، مع تخصيص أكثر من 200 وحدة سكنية جديدة بقيمة 14 مليون ريال (36 مليون دولار).
وسُجّل صرف معاشات إضافية لـ76 ألف مستحق، وتوسيع شبكة الأمان لتشمل العاملين لحسابهم الخاص، إلى جانب إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب وبرنامج سند للتطوع.
ونتيجة لذلك، ارتقت السلطنة 9 مراتب إلى المركز الـ59 عالمياً والرابعة خليجياً في مؤشر التقدم الاجتماعي.
وفي محور الهوية الوطنية والثقافة، توسّع الحضور الثقافي العُماني من خلال تدشين مجمع عُمان الثقافي وإطلاق الموسوعة العُمانية للناشئة، وإدراج المخطوطة النونية الكبرى ضمن برنامج ذاكرة العالم لليونسكو.
كما أُدرج برنامج سفينة التدريب “شباب عُمان” ضمن أفضل ممارسات صون التراث غير المادي، وارتفع عدد العناصر المسجّلة في قوائم التراث العُماني إلى 17 عنصراً و5 مواقع عالمية حتى مايو 2025.
وعلى الساحة الدولية، برزت السلطنة عبر قاعة عُمان في متحف الإرميتاج بروسيا وفوزها بجائزة أفضل تصميم في بينالي لندن 2025، ما يجسد دمج الإبداع الثقافي بالتنمية وتعزيز الهوية الوطنية.
ويؤكد التقرير أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من التنسيق بين القطاعات لضمان استدامة وتيرة الإنجاز الحالية وتحقيق التحول الكامل نحو اقتصاد متنوع قائم على المعرفة.
وتبقى نسبة الإنجاز المتحققة حتى الآن في برامج الرؤية دلالة واضحة على نجاح النموذج العُماني في التخطيط والتنفيذ، وعلى جاهزية الدولة لدخول مرحلة أكثر شمولاً من التنمية المتوازنة والمستدامة.