Home اختيارات رئيس التحريرموقف أردني ثابت في مواجهة الضغوط وتأكيد على القانون الدولي

موقف أردني ثابت في مواجهة الضغوط وتأكيد على القانون الدولي

د. أشرف الراعي

by editor
33 views
A+A-
Reset

في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، برز موقف الأردن كحائط صد في مواجهة الضغوط الدولية الرامية إلى فرض حلول غير عادلة للقضية الفلسطينية، وقد جاء رفض جلالة الملك عبد الله الثاني لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة كإعلان واضح بأن “الأردن لن يكون طرفاً في أي مشروع يتعارض مع حقوق الفلسطينيين أو يهدد استقرار المنطقة”، في وقت بات فيه احترام القانون الدولي ضرورة لا يمكن القفز عليها.

فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته “السيطرة” على غزة واقتراح نقل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، تصاعدت ردود الفعل الرافضة لهذا الطرح، الذي يتجاهل مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية، كما لا يمثل هذا المقترح حلاً للقضية الفلسطينية، بل هو محاولة لتفريغ غزة من سكانها وتحويل الأزمة من صراع سياسي إلى أزمة لاجئين جديدة، وهو ما يدرك الأردن خطورته تماماً.

ورغم الضغوط التي مارستها إدارة ترامب، والتي تضمنت التهديد بقطع المساعدات الأمريكية عن الأردن، جاء الرد الأردني واضحاً وحاسماً: “لن يكون الأردن طرفاً في أي خطة تهجير قسري، ولن يقبل بأي حل للقضية الفلسطينية لا يضمن حقوق الفلسطينيين في أرضهم”.

لم يكتفِ الأردن برفض التهجير على المستوى الدبلوماسي، بل ذهب إلى خطوة عملية تعزز هذا الموقف من خلال التشريع؛ فقد قدم البرلمان الأردني مشروع قانون جديد يحظر توطين الفلسطينيين في الأردن، وهو ما يعد خطوة قوية ومؤسسية تؤكد أن الموقف الأردني الرافض ليس مجرد تصريح سياسي، بل سياسة وطنية مدعومة بقوانين وتشريعات تمنع أي محاولة لفرض حلول غير عادلة على حساب الأردن، وهو اقتراح قدمه أ. د. ليث نصراوين، ولاقى تفاعلاً إيجابياً.

وعلى أي حال فإن مشروع القانون يحمل أهمية كبيرة لعدة أسباب أبرزها إغلاق الباب أمام أي ضغوط دولية مستقبلية؛ فوجود قانون يمنع التوطين يجعل من الصعب على أي حكومة أردنية حالية أو مستقبلية تغيير هذا الموقف، مما يحصّن الأردن قانونياً ضد أي محاولات لفرض واقع جديد، وإرسال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن الأردن ملتزم بحماية القضية الفلسطينية، وأن أي محاولة لحل القضية عبر تهجير الفلسطينيين مرفوضة بشكل قاطع، فضلاً عن تعزيز السيادة الوطنية ووضع مصلحة الشعب الأردني فوق أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية.

إن خطة التهجير تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر التهجير القسري للسكان تحت أي ظرف؛ فوفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، يعتبر ترحيل السكان قسراً من أراضيهم جريمة حرب، وبالتالي، فإن أي محاولة لفرض تهجير الفلسطينيين من غزة لا يمكن أن تُقرأ إلا باعتبارها خرقاً للقوانين الدولية التي تلزم جميع الدول باحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

ورغم أن الولايات المتحدة، كدولة فاعلة في المجتمع الدولي، تتحمل مسؤولية العمل على إيجاد حلول عادلة للصراعات، فإن مقترحات ترامب الأخيرة تعكس تجاهلاً صريحاً لهذه المبادئ؛ فالقفز على القرارات الدولية والاتفاقيات الموقعة، ومحاولة فرض حلول أحادية الجانب، لا يخدم الاستقرار العالمي، بل يعمّق الأزمات ويزيد من التوترات في المنطقة.

إن رفض الأردن ليس مجرد موقف وطني، بل يعكس موقفاً عربياً أوسع، حيث أكدت العديد من الدول العربية رفضها لأي مشاريع تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول مجتزأة، ومن هنا، يفرض الموقف الأردني على الدول الأخرى مسؤولية تبني مواقف مماثلة لحماية حقوق الفلسطينيين، وعلى المستوى الدولي، سيضع هذا الرفض الإدارة الأمريكية في مواجهة معارضة أوسع، إذ إن أي محاولة لفرض حل غير عادل ستواجه برفض ليس فقط من الدول العربية، بل أيضاً من المجتمع الدولي، الذي لا يزال متمسكاً بحل الدولتين كإطار شرعي لإنهاء الصراع.

بالطبع، رفض الأردن خطوة في معركة دبلوماسية طويلة الأمد، حيث لا تزال هناك محاولات للضغط على الدول الإقليمية للقبول بحلول جزئية لا تعالج جذور القضية الفلسطينية، ومع ذلك، يظل الأردن ثابتاً في موقفه، مدركاً أن أي حل مستدام يجب أن يكون قائماً على العدالة وليس على فرض الأمر الواقع.

الرسالة الأردنية واضحة: القضية الفلسطينية لا يمكن حلها عبر التهجير القسري أو الحلول المؤقتة، بل من خلال تسوية عادلة تضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وتحافظ على استقرار المنطقة، مع ضرورة احترام القانون الدولي وعدم تجاوزه وفق المصالح السياسية المؤقتة، كما أن مشروع القانون المقترح برفض التهجير يعزز هذا الموقف، ويؤكد أن الأردن ليس مجرد متلقٍ للضغوط، بل دولة ذات سيادة تضع مصالحها الوطنية ومبادئها العروبية فوق أي حسابات سياسية.

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00