مع النسمات الأولى من صباح اليوم، يحل علينا عيد الفطر السعيد، مرحبين بقدوم يوم المودة والصلة والخير والعتق من قيود النفس الشحيحة ، بعد انقضاء فريضة الصيام ، فقد مضت أيام شهر رمضان المبارك على عجل ، قضيناها في التقرب إلى الله ، لنستقبل عيدنا هذا بمظاهر الفرح والبهجة التي ندركها في أعيادنا واعتدنا عليها ، فبمجرد دخول العيد تلهج الألسن بتكبير الله في “بيوت الله” وفي “المنازل” ، وفي “الطرقات والأسواق” ، وفي “مصليات العيد” ، يأتمر المكبرون بأمر الله تعَالَى : ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَـحِقُّ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ .
مع احساسنا المشروع بفرحة العيد ، تنطلق مناسبة حيوية مهمة بما تختزله من معاني ومرامي طيبة وجميلة ، حيث نعيش فيها الفرح الكبير ، محاولاً أن يمدّ هذا الفرح من خلال ما يمدّ به المناسبة في الذكرى تارةً ، وفي الممارسة تارة أخرى ، حيث يبقى العيد هو الفرحة التي تقتحم قلوبنا ، لانها فرحة إحياء سنة وشعيرة من شعائر الله، تحمل المعاني والدلالات الربانية الروحانية التي لا يدركها إلا الأتقياء الذين يلتزمون أوامر الله ويجتنبون نواهيه ويقفون عند حدوده ويعظمون شرائعه وتعاليمه ، فمن الواجب علينا أن نعظم هذه الشعيرة ، وسنظل نحتفي بها ، فهي فرصة لنستذكر جميعا القيم الدينية والإنسانية النبيلة التي يحملها، وفي مقدمتها التراحم والتضامن .
ومع احساسنا المشروع بفرحة العيد ، دعونا نستشعر بالعيد ، بعيداً عن إحساس التأنيب المستمر ، والجلد الذاتي الذي نمارسه على أنفسنا ، فنجدد محبتنا لأنفسنا التي ذابت في ملفات الهموم ، وضاعت في ظروف تزداد صعوبة وحياة تزداد تعقيداً ، ومع كل تلك الإفرازات السلبية التي تحاصرنا ، محاولين ان نبتعد عن كل المنغصات في إحساسنا المفعم بالسعادة ، حين تتجلى معاني الأخوة والإنسانية ، ليكون عيدنا هذا ملئ بالفرح ، والمشاعر المخلوطة بالبهحة ومليئة بالغبطة ، فبالرغم من كل الظروف لكنها لن تثنينا عن التهليل والتكبير في صلاة العيد ، ونعود إلى بيوتنا ، نملؤها بالفرح والسعادة ، ونحتفل مع أبناءنا ونزداد قرباً منهم ووثاقة لصِلاتنا معهم .
ومع احساسنا المشروع بفرحة العيد ، نتقرب إلى الله بصلة الأرحام ، ونتعاظم في السباق على التصافح والعناق ، ومدّ الأيدي لبعضنا البعض ، ونسعد بانهاء الأحقاد ونذيب الفوارق بيننا ليظهر الإيثار ، وننهي القطيعة ، ونمنع الأذية ، ونتداول فيه الهدية ، وتصفى النفوس ، وتغسل الادران ، وتلتقي القلوب الرحيمة ، والأفئدة الرقيقة ، لتبدأ مع العيد صفحة جديدة من الألق والرخاء والصفح الجميل الذي تضئ به القلوب ويشع فيه نور الحب والتسامح ، ويتحلق الأحباب والأصدقاء والأهل بود ومحبة ، في إطار عائلي مترابط ومتلاحم ، يمارسون طقوسهم في الزيارات والتواصل بين الأهل وذوي القربى .
ومع احساسنا المشروع بالفرحة ، ندعو الله أن تأتي الأعياد القادمة وقد تحققت كل امانينا بنصرة الأمة ، ونصرة إخواننا في فلسطين المحتلة الذين عاشوا الشهر الفضيل وهم يرزحون تحت وطأة الاحتلال الغاشم وتمارس ضدهم شتى أنواع البطش والقمع والإرهاب ، في ظل تجدد حرب الإبادة جماعية ، ومعاناة أهلنا في قطاع غزة بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي وما خلفه من كارثة إنسانية ، وما يواجهه من تهديدات خطيرة تمس كيانه ووجوده ومستقبله ، كما ونسأله تعالى أن يحمي المسجد الأقصى قبلتنا الأولى ، وأن ينصر المرابطين فيه ، وان يوحد كلمة المسلمين ، وان يديم الأمن والسلام على الأردن ، وأن يعيد للعرب أمرهم ولم شملهم ويؤاخي بينهم وينصرهم على أعدائهم..
فكل عام ونحن إلى الله أقرب ، وكل عام ونحن إلى بعضنا أقرب ، وكل عام وقلوبنا أكثر محبة وتسامحاً وسلاماً وفرحاً لا ينتهي ..