* كيف تتغلغل الأفكار وتعيد تشكيل الثقافة والسياسة العربية؟
في صمتٍ ناعم، وبتأثير غير محسوس للوهلة الأولى، تُعيد الهيمنة الرمزية الغربية تشكيل وجدان المجتمعات العربية، دون سلاح أو استعمار ، إنها ليست قوة اقتصادية أو عسكرية، بل أدوات ناعمة تتسلل إلى الوعي، وتُعيد برمجة الذوق، والتفكير، وحتى السياسات.
اللغة: حين تُصبح الهوية ثانوية
اللغة ليست وسيلة تعبير فقط، بل هي وعاء للهوية والوجود الثقافي. مع تصاعد مكانة اللغة الإنجليزية كلغة تعليم وتوظيف ووجاهة، تراجعت اللغة العربية إلى موقع هامشي ، لم يكن هذا مجرد تطور طبيعي، بل نتيجة لتسويق الإنجليزية كرمز للتقدّم والنجاح، والعربية كماضٍ غير منتج ، هنا لا يضعف اللسان فقط، بل تضعف الثقة بالذات.
الفنون والإعلام: عندما يصوغ الآخر خيالك
المسلسلات، الأفلام، الأغاني الغربية، وحتى برامج الأطفال، تقدم نموذجًا قيميًا ومعيشيًا غربيًا بالكامل، يُستهلك عربيًا دون أي فلترة ، النتيجة: انبهار بالنموذج، واغتراب عن الذات ، ليس الفن هو المشكلة، بل التموضع: الغرب ينتج والعرب يستهلكون.
العلامات التجارية والماركات: هوية في ثوب استهلاكي
الماركات العالمية المشهورة، لم تعد مجرد منتجات، بل وسيلة للتعبير عن الذات والانتماء الطبقي ، يتم تحميلها برمزية التفوّق والتحضّر، مقابل تراجع المنتجات المحلية التي تُختزل في رمزية ( التأخر ) إنها ثقافة استهلاك تستورد معها المعنى العميق الموثوق بلا منازع ..
الأسماء والمنظمات: حين يُصبح الاسم هو الرسالة
أسماء المطاعم والشركات والمنظمات غير الحكومية بالإنجليزية تكتسب شرعية غير معلنة ، من يحمل اسمًا أجنبيًا يُنظر إليه على أنه ( عالمي) ، ومن يتمسّك باسمه العربي يُحاصر داخل حدوده المحلية ، إنها لغة تفوق رمزي تتسلل حتى في أبسط التفاصيل.
المنظمات والأفكار الغربية: تغليف الحداثة على حساب الخصوصية
الأفكار المستوردة حول المرأة، الأسرة، الطفل ، الحريات، تُطرح كأنها قيم كونية مطلقة، بل باتت تصاغ انها قوانين شرعية متفوقة بل تفوقت على التعاليم السمحة والقيم والمبادئ والعادات ، بينما هي نِتاج سياقات اجتماعية غربية خاصة ، في ظل غياب الإنتاج الفكري المحلي، تُفرض هذه المفاهيم تدريجيًا في السياسات والخطاب العام، على حساب الثوابت الثقافية.
لسنا أمام غزو تقليدي، بل أمام إعادة تشكيل ناعم الملمس مسموم الهدف للوعي العربي، تُمارسها أدوات رمزية تحمل سحر الحداثة وقوة التأثير ، المطلوب ليس رفض الآخر، بل تحصين الذات بإعادة الاعتبار للغة، للفكر، وللإنتاج المحلي ، ووقف نزيف الخسارة القيمية الثقافية الأخلاقية الأصلية على الاقل ، ولا نطلب او نأمل اليوم التأثير العكسي الذي اصبح مستحيل المنال ، بل على الاقل تثبيت تلك الخسارة واهمها (خسارة اللغة العربية) .
الصراع اليوم ثقافي ورمزي بامتياز، ومن لا يملك أدواته، سيُعاد تشكيله من قبل من يملكها.