لطالما نجح بنيامين نتنياهو، بخبرته السياسية الطويلة، في التلاعب بخيوط السياسة الأمريكية، مستغلاً تحالفات واستقطابات متجذّرة داخل مؤسسات صنع القرار في واشنطن ، وبعد السابع من أكتوبر، اندفعت الإدارة الأمريكية، ومعها معظم الغرب، خلف روايات إسرائيلية مشبعة بالتضليل والتزييف، كان أبرز مروّجيها نتنياهو وزمرته المتطرفة، بمساعدة إعلام غربي غير مسؤول بدأ اليوم يتراجع كما يتراجع ترامب، بعد أن اكتشف حجم الخديعة التي وقع فيها.
تحالف هشّ مبني على الأوهام
في بداية عودته إلى الواجهة السياسية، بدا دونالد ترامب منسجمًا كليًا مع طروحات نتنياهو، خاصة في ملف تهجير الفلسطينيين من غزة، وهو ما عبّر عنه بتصريحات حول “حلول بديلة” تشمل الأردن ومصر والسعودية وحتى دول أمريكا اللاتينية ، لم تكن تلك المواقف وليدة قناعة، بل نتيجة تقارير مضللة وأجندة منهجية حاول نتنياهو فرضها كأمر واقع. ومع تعقيدات المشهد واشتداد الرفض الدولي والعربي لمخطط التهجير، بدأت الحقائق تنكشف أمام ترامب، الذي أدرك حجم المأزق السياسي والإنساني الذي كان سيسقط فيه.
إفشال الصفقة: خيانة موثقة أم دهاء إسرائيلي؟
من أخطر ما فعله نتنياهو هو إقناع ترامب بالتراجع عن صفقة سياسية كانت قيد التنفيذ، وبدأ تنفيذ جزءها الأول بالفعل، وكان من شأنها وقف النزيف في غزة ، أقنع نتنياهو ترامب أن إنجاز الصفقة سيُضعف “هيبة إسرائيل”، فدفعه بدافع الحماسة أو التضليل إلى التراجع عنها، ما فجّر جولة جديدة من الحرب كان يمكن تفاديها. هذه ليست مجرد مناورة، بل خيانة صريحة لفرصة كانت قادرة على حقن الدماء.
حروب بلا نهاية: من إيران إلى اليمن
تحت ذريعة “الردع”، دفع نتنياهو إدارة ترامب نحو صدامات إقليمية، بدأت إعلاميًا، ثم تحوّلت إلى مواجهات عسكرية، كما حصل مع الحوثيين في اليمن، ومحاولة جرّ واشنطن إلى شفا مواجهة مع إيرا ، لكن، مع تزايد المخاطر واحتدام الأزمات، بدأ ترامب يُدرك أنه يُستخدم كأداة لتصفية حسابات تخص نتنياهو وحده، لا المصلحة الأمريكية ولا حتى مصلحة الاستقرار العالمي.
الزيارة المرتقبة… وإقصاء إسرائيل
يسابق نتنياهو الزمن في محاولاته لخلط الأوراق، قبل الزيارة المرتقبة لترامب إلى الشرق الأوسط، والتي تم – حتى اللحظة – استثناء إسرائيل منها ، هذا الاستبعاد أثار حفيظة اليمين الإسرائيلي والشارع اليهودي، خاصة بعد أن بدأت الإدارة الأمريكية تتخذ خطوات إقليمية دون مشورة تل أبيب، ما يمثل ضربة لادعاء الشراكة الاستراتيجية التي لطالما تغنت بها إسرائيل.
ترامب يستفيق: من التبعية إلى الحسابات الذاتية
في الأسابيع الأخيرة، تغير خطاب ترامب بوضوح: تراجع عن دعم تهجير الفلسطينيين، تحفظ على توسعة الحرب، وبدأ يشير علنًا إلى أن إدارة نتنياهو تُحرجه أكثر مما تدعمه. توقف الضربات على اليمن، والانتقال من حافة المواجهة مع إيران إلى الحديث عن مفاوضات، كلها مؤشرات على استيقاظ سياسي حقيقي. وتفيد تسريبات صحفية ، أن ترامب بات مقتنعًا بضرورة وجود دولة فلسطينية، وأنه سيدفع بهذا الاتجاه خلال زيارته إلى دول الخليج.
نتنياهو يرفض الجسم الدولي للفلسطينيين
منذ سنوات، رفض نتنياهو كل مقترح لإنشاء كيان دولي يمثل الفلسطينيين، بل وعمل على إقناع ترامب بأن هذا الجسم سيكون خطرًا على “إسرائيل الكبرى”. لكنه اليوم يواجه واقعية جديدة ، ترامب نفسه بدأ يرى أن لا استقرار في الشرق الأوسط دون دولة فلسطينية حقيقية، تمثل الشعب الفلسطيني، وتضع حداً للذرائع الدائمة لإسرائيل لمواصلة عدوانها وتمددها الأفقي في أراضي سوريا ولبنان والضفة وغزة.
هل يصمد ترامب أمام الضغط الإسرائيلي؟
ليس من السهل تفكيك خيوط الهيمنة الإسرائيلية على القرار الأمريكي بين ليلة وضحاها، لكن ما نشهده اليوم من تصدّع في ثقة ترامب بنتنياهو قد يكون بداية النهاية لهيمنة الخداع السياسي الإسرائيلي. ويبقى السؤال: هل تلتقط الدول العربية، خاصة الخليجية، هذه اللحظة الفارقة لاستثمارها في وقف الحرب والنزيف في غزة، وفرض حل عادل وشامل؟ وهل يستمر ترامب في نهجه الجديد، أم يعود الحبل ليُشد من جديد بيد نتنياهو .