Home اختيارات رئيس التحريرالملك وسط الضجيج

الملك وسط الضجيج

محمد حسن التل

by editor
77.2K views
A+A-
Reset

في زمن تعلو فيه أصوات الحرب وتغيب فيه بوصلات القيم، يكاد يظل صوت الملك عبدالله الثاني صوت العقل الأبرز في الشرق الأوسط الذي لا يزال متمسّكًا بثبات بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، داعيًا إلى إنهاء الصراعات عبر الحلول السياسية واحترام حقوق الشعوب كافة في مقدمتها الحق الفلسطيني في الحرية والسيادة وإقامة دولته المستقلة.

خطاب الملك عبدالله الثاني، الذي ألقاه قبل يومين أمام البرلمان الأوروبي، لم يكن مجرد عرض للواقع الإقليمي المضطرب، بل كان جرس إنذار مدوٍ أمام المجتمع الدولي حول خطورة الإنحدار الأخلاقي الذي يشهده العالم، لا سيما في التعامل مع القضية الفلسطينية والمآسي التي يشهدها قطاع غزة… الملك، وبكل صراحة وشجاعة، وضع العالم أمام مسؤوليته، وسلّط الضوء على الفجوة المتزايدة بين المبادئ التي يدّعيها المجتمع الدولي وبين أفعاله المتقاعسة، مؤكدًا أن السكوت عن المجازر والانتهاكات يعني التواطؤ في إعادة تعريف الإنسانية نفسها.

لقد أعاد الملك في خطابه التأكيد على أن جوهر الفوضى والاضطراب في المنطقة يعود إلى استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية، بل وإصرارها على ارتكاب المجازر ضد المدنيين، وخاصة في غزة، حيث أصبحت الجرائم ضد المستشفيات، والمدنيين، والعاملين في الإغاثة مشهداً معتادًا للجميع..

لم يكن خطاب الملك مجرد دفاع عن القضية الفلسطينية فحسب، بل كان دعوة شاملة لاستعادة إنسانيتنا الجامعة، محذرًا من انزلاق العالم نحو التطرف والانقسام، ومطالبًا بتجديد الإلتزام بالقيم التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، وعلى رأسها الكرامة، والعدل، والتعاون.

كما أبرز الملك دور أوروبا في صناعة السلام بعد الحرب العالمية الثانية، داعيًا قادتها اليوم إلى ممارسة الدور ذاته من جديد، ولكن هذه المرة لدعم حق الفلسطينيين، وإنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، وعدم السماح بتحوّل القيم إلى شعارات جوفاء.

منذ عقود، يمثل الملك عبدالله الثاني ركيزة الاستقرار وصوت الاعتدال في منطقة تعصف بها الأزمات، كرّس جهوده في المنابر الدولية للدعوة إلى حلّ الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد العادل والدائم لتحقيق السلام ، ومن خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، يجسد الملك التزامًا تاريخيًا وأخلاقيًا بحماية التعددية الدينية والهوية الحضارية للمدينة.

ليس من المبالغة القول أن الملك عبدالله بن الحسين اليوم هو الزعيم الأبرز الذي يتمتع بصدقية عالمية، ويجهر بالحقيقة دون مواربة، مدافعا عن الحق الفلسطيني، و عن ضرورة عودة القانون الدولي ليكون الحكم في النزاعات، وليس منطق القوة.

لقد كان خطاب الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي لحظة فارقة، أعادت توجيه البوصلة الأخلاقية للعالم، وأثبتت أن الأردن، رغم صغر جغرافيته، لا يزال يدفع بحكمة بالغة نحو السلام، متمسكًا بثوابته، ورافضًا أن تكون الدماء والمآسي هي الطريق الوحيد لرسم خرائط المستقبل.

ما أحوج العالم وسط هذا الضجيج لصوت العقل، وما أندر من يملك الشجاعة ليرفعه..

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00