Home مقالات مختارةالمطبات .. فوضى الإسفلت وغياب التخصص وفشل المساءلة القانونية (٢)

المطبات .. فوضى الإسفلت وغياب التخصص وفشل المساءلة القانونية (٢)

by dina s
12 views
A+A-
Reset

د. نضال القطامين

لا يجوز أن يُنفذ عمل في الطريق إلا بعد دراسة دقيقة تستند إلى أدلة تصميم هندسة المرور العالمية، ولا يُترك عنصر واحد بلا إشراف أو مساءلة. أما في شوارعنا، فقد باتت مشهدًا فوضويًا لا تخطئه العين، تُدار بأدوات مرتجلة، وتُنفذ بأيدٍ تجهل أبجديات السلامة المرورية، حتى صار الرصيف والمطب والجزيرة المرورية مرآة لتراجع التخصص وغياب المهنية.

المطبات، التي وُجدت يومًا لضبط السرعة وحماية الأرواح، انقلبت إلى أدوات عقابية تُنفذ بعشوائية، دون تحليل مروري، ودون إشارات تحذيرية، أو دهانات عاكسة، أو تخطيط فسفوري، أو إنارة ليلية. تُزرع في طرق لا يجوز أن تكون فيها، وكأنها قرارات شعبية تُنفّذ بمزاج الحي لا بوعي الجهات المسؤولة.

مطبات مختلفة الشكل والموقع والارتفاع، تُفاجئ السائق والمشاة، وتُنهك المركبة، وتُربك الدراجة، وتُشوّه الطريق. ثم تُترك، دون صيانة، ودون مسؤولية.

المشهد ليس مجرد خلل، بل تعدٍّ صارخ على علم هندسة النقل والمرور والسلامة المرورية، ومساس بحق المواطن في طريق آمن.

في الدول المتقدمة، كل مطبّ مسؤولية موثقة هندسيًا وقانونيًا، وإذا ثبت تسببه في حادث، تتحمّل الجهة المنفذة التعويض، وربما تُواجه العقوبة. أما عندنا، فالحادث يُقيّد ضد المجهول، أو يُلقى في حضن السائق وحده، وتُعاد الأسطوانة المشروخة: “الإنسان مسؤول عن ٩٥٪؜ من الحوادث!”

وهذه ليست مجرد مقولة خاطئة، بل مغالطة علمية ومهنية وأخلاقية لا سند ولا اساس لها في علم السلامة المرورية، وتُستخدم فقط للتغطية على غياب المساءلة المؤسسية.

ومن هنا، أوجّه دعوة صريحة إلى نقابة المحامين، ومراكز السلامة، والخبراء القانونيين، لإعادة فتح ملفات الحوادث التي وقعت عند أو بسبب مطبات غير قانونية أو سيئة التنفيذ، ومساءلة من أمر بها، ومن نفذها، ومن غاب عن رقابتها. فالسكوت هنا ليس حيادًا، بل شراكة مواربة في الفشل.

كل أدلة التصميم المعترف بها – البريطانية، والأمريكية، وغيرها – تُجمع على قاعدة واحدة:

١) المطبات تُنفذ فقط داخل الأحياء السكنية أو قرب المدارس، وفي طرق لا تتجاوز فيها السرعة ٥٠ كم/ساعة.

٢) ويُشترط أن تُسبق بتحذير واضح، بإشارات أفقية وعمودية، وإنارة قوية، وتخطيط أرضي فسفوري، وبمواصفات دقيقة: ارتفاع لا يتجاوز ٧٥ ملم، وعرض لا يقل عن ٣.٧ متر، ومنحدرات مدروسة لا تُربك ولا تُؤذي.

٣) أما في الطرق الرئيسية أو النافذة، فالمطبات ممنوعة، ويُستعاض عنها بوسائل هندسية أكثر نضجًا: تقاطعات مرفوعة، تضييق بصري أو هندسي، رادارات، ومراقبة ذكية.

وهنا نصل إلى أصل العطب: غياب الكفاءات المؤهلة في هندسة النقل والمرور والسلامة المرورية عن مواقع القرار. لا الوزارات، ولا البلديات، ولا الأمانات، تملك الحد الأدنى من الكوادر المؤهلة القادرة على إدارة هذا الملف كما ينبغي.

وما لم يُبادر إلى تعيين واستقطاب مهندسين مدرّبين، مطلعين على الأدلة الحديثة في هندسة النقل والمرور والسلامة المرورية، ومكلّفين رسميًا بواجباتهم الفنية والرقابية، فستبقى شوارعنا تُدار بالفزعة، وتُخطط بالارتجال، وتُبنى على أوجاع الناس لا على قواعد العلم والهندسة.

المطبات، ككل عناصر البنية التحتية، ليست كتل إسفلت تُرمى كيفما اتفق، بل مسؤوليات هندسية وقانونية واجتماعية، لا يُتقنها إلا من أُعِدّ لها علمًا وخبرة وضميرًا.

والله وليّ التوفيق..

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00