لسنا بخير، هذه رسالة الأهل في غزة سواء سمعناها أم لم نسمعها، وسواء أرسلوها لنا أم لم يرسلوها، إنهم ليسوا بخير، حقيقة واضحة وضوح شمس ظهيرة يوم صيفي، تعلو بها حناجرهم مرّات وتخفيها آلاف المرات، فما يعيشه الأهل في غزة لم تشهد بسوئه وظلمه ووجعه البشرية من جوع وعطش وانتهاك لكل مقومات الحياة المقدسة، وأعداد للشهداء ترتفع يوميا بالعشرات، إن لم يكن بالمئات في بعضها.
أيام ثقيلة بل أكثر من ذلك على أهلنا في غزة، مليئة بالحزن والقهر، والبحث عن ضالتهم في الأمن والأمان، والسلام، رغم ما ذهب منهم، لكنهم ما يزالون باحثين عن فسحة أمل تجعل من يومهم أقلّ بؤسا، ومن غدهم أكثر تفاؤلا، فما أن تسمع آذانهم صوتا يخبرهم بجديد قد يحقق لهم ذلك، يبدأون بنسج سلسلة أحلام بأن قادما إيجابيا في طريقه لهم، ويذهب البعض منهم لما هو أبعد من ذلك، بأن غزة ستعود كما كانت قبل السابع من تشرين الأول 2023، معتبرين أن من حقهم أن يعيشوا ولو حلما، وأن ينتظرون ولو سرابا.
منذ بدأ الحديث عن هدنة (60) يوما، وأمل يشق حزن الغزيين، ونور ينير عتمة حياتهم، بانتظار أن يتم الإعلان رسميا عن بدء هذه الهدنة المنتظرة، هذه الهدنة «مع وقف التنفيذ وحتى مع وقف الأمل»، هدنة لوقف إطلاق النار في غزة، الحلم الغزي المؤجل، وبقيت هذه الهدنة حتى اللحظة مجرد أحاديث تتناقلها وسائل إعلام متعددة، يقابلها حرب إسرائيلية على غزة تزداد عنفا يوميا، وترفع من أعداد الشهداء، دون رحمة أو حتى هدنة لدقائق، وكأن موضوع الهدنة ما هو إلاّ كلمات فقط كلمات، لم تسفر عن أي اتفاق، ولم توقف قذائف إسرائيل للحظة على غزة.
الحديث عن هدنة لوقف إطلاق النار على غزة، وإن كانت لم ترق للمطالب الأردنية بضرورة وقف الحرب على غزة، بشكل دائم، كما لم تصل لحلم الغزيين بأن تتوقف هذه الحرب، وتعود حياتهم لطبيعتها ولو بحدها الأدنى، متكئين على أمل السلام، ومن يقف معها معينا وسندا وأولهم الأردن والأردنيين، ولكن على ما يبدو أن طريق هذه الهدنة وعر، ونهاياته بعيدة المنال حتى اللحظة، فهي هدنة مع وقف التنفيذ ووقف الحلم والأمل، رغم جهود عظيمة تبذل من الوسطاء لجعلها حقيقة، وممكنة!!!
تحيط هذه الهدنة تساؤلات، وتحليلات متعددة، وربطها بظروف المنطقة، ولكن ما يهم الأهل في غزة، أن تتوقف الحرب، أن يلتقط الغزيون أنفاسهم دون دخان القذائف والصواريخ الإسرائيلية، أن يجدوا ماء وغذاء، أن تعود الأسرة الواحدة أو ما تبقى منها للعيش معا في مكان واحد، لا أقول بيتا واحدا، فلم يعد بغزة أي بيت كما لم تعد جدران أربعة لمكان واحد، وأكبر وأوسع أمكنتهم خيمة ربما ممزقة، أو منهارة، ومع هذا البحث عن السلام ووقف الحرب هذا هو ما يريده الغزيون، بأمل يتجدد يوميا، وكل ساعة وكل دقيقة، فهل سترى هذه الهدنة النور، وهل ستخرج من دائرتها المغلقة التي تبدأ بها من حيث تنتهي دون الوصول لما يجعلها هدنة حقيقية، أم ستبقى هدنة مع وقف التنفيذ!!!.