Home اختيارات رئيس التحريرهل يخدم التقصير موازنة الدولة

هل يخدم التقصير موازنة الدولة

الفرد عصفور

by editor
16.3K views
A+A-
Reset

بعيدا عن فكرة المؤامرات ونظرياتها وبعيدا عن تخيل عبقريات خارجة عن المألوف هناك سؤال يتبادر إلى الذهن كلما فكر المرء في ما يعاني منه القطاع العام وبشكل خاص ثلاثة ميادين هي الصحة والتعليم والنقل.

هل يتم وبصورة ذكية أم بصورة عشوائية استغلال التقصير في هذه القطاعات الثلاثة لخدمة الموازنة ودعم الواردات المالية للخزينة؟ قد يبدو التساؤل غريبا لكن عند تحليل المعطيات المتوفرة التي يمكن أن يتلمسها أي شخص يدقق فيها فإنها ستبدو صحيحة.

الموضوع بكل بساطة أن تعطيل وتأخير خدمات القطاع العام وبصورة خاصة في مجالات التعليم والصحة والنقل يتماشى طرديا مع تحسين ظروف القطاع الخاص في هذه المجالات ذاتها.

تستطيع الحكومة أن تعمل على تحسين خدمات القطاع العام الصحي ومن دون تحمل أي تكاليف إضافية وإنما بنقل مخصصات بعينها في الموازنة إلى موازنة وزارة الصحة.

هناك مبلغ 217 مليون دينار مخصصة في الموازنة العامة (وفق ما يظهر في الحسابات الختامية الصادرة عن وزارة المالية لسنة 2024) لدعم السلع الغذائية الاستراتيجية والمقصود الطحين والأعلاف وهذا الدعم في واقع الأمر يذهب هباء ولا يسعى إليه المواطن ولا يريده من الحكومة رغم انف الذين يتظاهرون رافعين شعار أن الرغيف خط احمر فهذه كلها شعارات يحرض عليها أصحاب المصالح الذين لا يريدون الإصلاح.

عند المطالبة بتحويل مبالغ بعينها من الموازنة إلى موازنة وزارة الصحة وتوفير الخدمات اللازمة عبر مؤسسات الوزارة فهذا سيؤدي إلى توفير ملايين كثيرة تدفعها الحكومة على شكل إعفاءات طبية (32 مليون دينار) ومعالجات طبية (25 مليون دينار) ومعالجات مرض السرطان (42 مليون دينار). ويمكن للحكومة أن تفعل ذلك بقرار جريء لا يحتاج وقتا طويلا.

قد تحافظ أموال دعم الخبز والأعلاف على سعر خبز رخيص نسبيا ولكن أيهما أكثر أهمية للمواطن خبز رخيص يلقى كثير منه في الحاويات أم توفر علاج وسرير في المستشفى عند الحاجة؟ ما حاجتنا إلى خبز رخيص وعلبة سردين في المؤسسة الاستهلاكية ارخص بعشرين فلسا عن سعر السوبرماركت إذا كان المصاب بالتهاب الزائدة الدودية مثلا بحاجة إلى انتظار شهرين أو ثلاثة لإجراء العملية الجراحية؟ كيف يمكن تفسير هذا الحال إلا بأنه عمل مقصود لتوريط المواطن في قروض لخدمة المستشفيات الخاصة؟

سيتحمل المواطن شراء خبز بسعر مضاعف فكل الأسعار مرتفعة أصلا، إذا ما علم أن فرق الدعم سيتم توجيهه لبناء مستشفيات ومراكز صحية توفر له الخدمة المطلوبة بكرامة وبدون عناء وتوسلات الإعفاءات وغيرها.

المؤكد أن الحكومة لن تفعل شيئا من هذا لأن ذلك لن يصب في مصلحة الخزينة وسيضر بمصالح القطاع الخاص في هذا الميدان.

كما أن قرارا مثل هذا بتحسين وتوفير خدمات صحية للمواطنين عبر مؤسسات وزارة الصحة تؤدي إلى اختصار مدة المواعيد وتوفير الأدوية وأسرّة المستشفيات سيكون له ضرر كبير على واردات الحكومة المالية من القطاع الطبي الخاص. وترك القطاع العام الطبي بدون تطوير وتحسين يعني إجبار المواطنين على اللجوء إلى القطاع الخاص الذي يتضخم دخله ومن هنا تزداد موارد الدولية المالية من ضرائب المستشفيات الخاصة والصيدليات الخاصة برغم كل التهرب الضريبي الذي نسمع عنه. وكذلك ستظل شركات التامين تعمل وتربح وتدفع الضرائب وأيضا البنوك ستظل تمنح القروض وتستوفي الفوائد وتدفع الضرائب المطلوبة.

وهنا تساؤل مشروع لو افترضنا أن البنوك الأردنية وعددها أربعة عشر بنكا مرخصا ستقوم بمساهمة جذرية لدعم القطاع الطبي الحكومي من خلال التبرع بمئة مليون دينار سنويا لبناء مستشفيات ومراكز صحية فهل ستقبل الحكومة بهذا؟ تقديري وأرجو أن أكون مخطئا لن تقبل بل قد تحرض البنوك على عدم التبرع حتى لا يتعرض القطاع الخاص الطبي لأي خسائر مع أنه قطاع متغول على المواطن وينهب جيوبه بشراسة لا مثيل لها.

القطاع الآخر المهمل بشكل متعمد بقصد زيادة موارد الخزينة هوة قطاع النقل العام. في عام 2016 أجرت مؤسسة دولية دراسة على قطاع النقل العام في الأردن وخلصت إلى نتيجة مفادها انه “لا يبدو بأن النقل العام من أولويات الدولة الأردنية ولا يحظى بأي شكل من أشكال الاهتمام”. هذا يعني أن مشكلة النقل في الأردن ستظل مزمنة. فإهمال حل مشكلة النقل العام يرفد الحزينة بمئات الملايين من الدنانير سنويا على شكل جمارك ورسوم ترخيص وتشغيل لشركات التامين وأرباح التامين تعني واردات ضريبية للدولة..

هناك من زين للحكومة فكرة تسهيل استيراد السيارات وخصوصا المستعملة فأصبحت البلد مكب نفايات لسيارات العالم. تزيد أعداد السيارات في المملكة بمعدل خمسة وسبعين ألف سيارة سنويا. واصبح الأردن في المرتبة الخامسة بنسبة استيراد السيارات المستعملة.

وازدحمت البلاد وفق تصريح لمدير سابق للجمارك بسيارات قديمة وغير آمنة وكلفة صيانتها عالية جدا ولا توفر الوقود وهي الأكثر تسببا للحوادث وبعضها حوادث مميتة.

كذلك فإن إهمال مشكلة النقل العام يعني المزيد من مبيعات البنزين وبالتالي المزيد من تحصيل الضرائب عليه وكذلك أرباح لتجار السيارات وتحصيل لضريبة الدخل وانفاق واسع من التجار يعني المزيد من تحصيل ضريبة المبيعات ولذا فإن اهتماما حقيقيا بحل مشكلة النقل العام سيخفض دخل الخزينة.

لكن حل المشكلة عبر شركة نقل عام وطنية بأسعار تذاكر رخيصة ستعني تخفيض فاتورة النفط السنوية، وتخفيض استيراد البنزين، تخفيض فاتورة استيراد السيارات وقطع السيارات، تخفيض كلفة الحوادث، وتوفير أوقات الناس، وتخفيض نسبة التلوث البيئي وبالتالي تخفيض نسبة الإصابات السرطانية التي هي في الأردن من الأعلى في العالم.

ما يقال على إهمال قطاعي الخدمات الصحية والنقل العام يمكن إسقاطه أيضا على قطاع التعليم. فإهمال التعليم الحكومي فتح الباب واسعا أمام الاستثمار الخاص في التعليم الأمر الذي خلق طبقتين من المدارس التي قسمت المجتمع إلى فقراء وأغنياء. لكن الأمر يصب في مصلحة الموازنة والخزينة. فكلما زادت المدارس الخاصة زاد دخل الحكومة من الرسوم والضرائب أما المواطن الفقير فلا عزاء له.

من الواضح أن قطاعات الخدمات الحكومية الصحية وكذلك التعليمية والنقل العام دون المستوى المطلوب بكثير. والتساؤل الكبير هو إلى متى يمكن الاستمرار في هذا النهج؟

 

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00