في عالم السياسة والإدارة، لا يكون خروج الوزراء دائمًا انعكاسًا لأدائهم أو نشاطهم، بل أحيانًا نتيجة اعتبارات وتوازنات أوسع من حدود ملفاتهم، وأنا أعي ذلك جيدًا، لكن ما حدث مع معالي الدكتور خير الدين أبو صعيليك يدفعني للتوقف والتساؤل.
خروج أبو صعيليك من الحكومة الأردنية يفتح الباب أمام كثير من علامات الاستفهام، خصوصًا لمن عرف الرجل عن قرب أو تعامل معه في ملفات مهنية.
أتذكر تمامًا لقائي الأول به في شهر شباط الماضي، حين جاء إلى دبي لحضور القمة العالمية للحكومات، وبدعوة كريمة من القنصل الأردني التقينا في “بيت الأردنيين”. كان اللقاء مهنيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حضره نخبة من كبار المستشارين الإداريين العاملين في دولة الإمارات، تبادلوا مع الوزير رؤاهم حول التحديات الإدارية التي تواجه الحكومة.
جلس أبو صعيليك منصتًا بإصغاء حقيقي، يناقش، يعقب، ويسجّل الملاحظات. لم يكن اللقاء مجرد مجاملة دبلوماسية، بل ورشة فكرية حيّة، ختمت على الطريقة الأردنية الأصيلة بـ”المنسف”… تلك العلامة الفارقة التي تحمل نكهة الكرم والانتماء.
بعد ذلك اللقاء، استمر التواصل بيننا بحكم عملي كمستشار في التطوير والتميز في القطاع الحكومي. كنت أتابع ما يقوم به الوزير، وأشارك معه بعض الملاحظات والأفكار، بل واقترحت عليه نشاطات تطويرية ونفذتها مجانًا للحكومة. لمست منه دائمًا انفتاحًا على الأفكار، وحرصًا على التحسين، ونشاطًا ملحوظًا في العمل.
لكن فجأة، ومع التعديل الوزاري الأخير، خرج الوزير من منصبه بحجة “التحسين وضخ الدماء الجديدة”، رغم أن فترة وجوده في الحكومة لم تتجاوز العام، ورغم أن ما وصلني من معلومات يؤكد أن رئيس الوزراء كان راضيًا عن أدائه.
هنا يبرز السؤال: لماذا يتم إخراج وزراء نشطين وذوي أداء جيد دون توضيح الأسباب للرأي العام؟
في بيئة حكومية تحتاج إلى الاستقرار والتمكين، يصبح من حق المواطنين، بل ومن حق الكفاءات الوطنية، معرفة مبررات هذه القرارات، خاصة عندما تتعلق بقيادات لم تُمنح الوقت الكافي لترجمة خططها إلى نتائج ملموسة.
إن الشفافية في تبرير التغييرات الوزارية ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لتعزيز الثقة، وضمان أن عملية التغيير مبنية على أسس موضوعية، لا على حسابات غامضة أو معايير غير معلنة.
ربما رحل أبو صعيليك عن الوزارة، لكن أثره في العمل الإداري خلال الفترة البسيطة سيظل حاضرًا… ويبقى السؤال معلقًا: هل نحن نُحسن إدارة مواردنا البشرية القيادية، أم أننا ما زلنا نستهلك الطاقات قبل أن تؤتي ثمارها؟
ورئيس الوزراء، كما أنت مسؤول عن اختيار وزرائك، فأنت أيضًا مسؤول أمام الشعب عن تبرير قرارات الإخراج والتغيير، خاصة عندما يتعلق الأمر بكفاءات أثبتت نشاطها وكفاءتها. فالمساءلة هنا ليست ترفًا، بل واجب وحق، حتى يدرك المواطن أن القرارات الكبرى تُبنى على معايير واضحة وشفافة، لا على اعتبارات مبهمة أو حسابات لا يعرفها إلا القلة.