يجب ألا نتفاجأ بتصريحات نتنياهو الأخيرة حول حلمه بتنفيذ إقامة مشروع “إسرائيل الكبرى” على حساب دول عربية عديدة مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر والسعودية ، ولماذا نصدم من الإجراءات التي يقوم بها وزراؤه على الأرض الفلسطينية، وإطلاق يد المستوطنين على أراضي فلسطين لإبتلاعها وطرد أهلها منها ، فهذا نهجهم منذ أن تمكنوا من دخول فلسطين حتى قبل النكبة ، لم يفكروا يومًا بالسلام أو القبول بالعيش مع الآخر ، وما زال قول شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حاضرًا عندما أجبرته الإدارة الأمريكية آنذاك على الذهاب إلى مدريد، فقال: نحن ذاهبون إلى مدريد رغم أنوفنا، لكننا سنفاوض لأربعين عاما وأكثر من دون أن نقدم للفلسطينيين والعرب شيئًا”.
وبالفعل بعد أكثر من أربعين عامًا على موافقة العرب على الدخول في عملية السلام مع إسرائيل، وما تخلل هذه المرحلة الطويلة من اتفاقيات ومعاهدات وموجة تطبيع واسعة، يضرب نتنياهو كل ذلك عرض الحائط ببساطة، ويعلن أنه مسكون برؤية “إسرائيل الكبرى”، وأنه جزء من تنفيذ هذا المشروع، كما لا يخفي أن صراعه مع العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون، صراع ديني أيديولوجي محكوم بنصوص توراتية يزعمون أنها منزلة من السماء ، والحقيقة أن هذا هو جوهر المشروع الصهيوني القاضي أن اليهود أصحاب هذه المنطقة لوحدهم ويجب أن يكونوا أسيادها، ولا مكان لغيرهم فيها.
السؤال بعد الزلزال الذي أحدثته تصريحات نتنياهو ، ما سيكون الموقف العربي.. وما هو الموقف الدولي من هذه التصريحات التي تؤكد أن إسرائيل لم تفكر يومًا بالسلام مع جيرانها، ولم تتوقف عن النظر إليهم نظرة عداء وتربص ، وهل سيتنبه العرب إلى خطورة هذه المواقف التي تعكس مشروعًا حقيقيًا في عقول الإسرائيليين؟ وهل سيستخدمون الأوراق التي يملكونها للضغط على إسرائيل ولجمها وإعادتها إلى حجمها الحقيقي المصطنع، أم سنظل نطالب المجتمع الدولي بالتدخل، وحتى الآن، لم نقتنع على مدى مئة عام أن هذا المجتمع الدولي لن يتخلى عن دعمه لإسرائيل عندما تدق ساعة الحقيقة، وأن مواقفه لم ولن تتعدى الكلام والبيانات التي لم تحترمها إسرائيل يومًا، لأنها تدرك أن ما يُعلن أمام الكاميرات يختلف عمّا يُقال خلف الأبواب المغلقة للإسرائيليين.
نتنياهو ومعه أركان القيادة الإسرائيلية يعلمون جيدًا أن معظم الشعوب العربية والإسلامية لا تريد الاعتراف بإسرائيل بسبب ما تفعله بالفلسطينيين، ويتعاملون معها كعدو، ومنذ قيام دولتهم، لم يخطُ الإسرائيليون خطوة واحدة تبعث على الاطمئنان، بل على العكس، زادوا الفجوة عمقا، وتعالوا بأسوار العداء بينهم وبين العالمين العربي والإسلامي، بما يطلقونه من تصريحات مستفزة ومريبة وبما يقترفونه في فلسطين كما أشرت..
لقد عملت الآلة السياسية العربية، بدفع وحثّ دوليين، على تصوير الصراع مع إسرائيل على أنه صراع حدود وسياسة، وأن المفاوضات هي الطريق الوحيد لإنهائه، في المقابل، لم تُشر إسرائيل على امتداد عقود وجودها إلى أن الصراع مع العرب والمسلمين، وفي مقدمتهم الفلسطينيون ، هو صراع غير ديني بل على العكس، فهي تؤكد كل يوم أن صراعها عقائدي وجودي، وأن وجود اليهود مرتبط بزوال العرب ولو بإبادتهم.
طالما ازدحمت الشعارات الانتخابية الإسرائيلية بهذه المفاهيم، وهذا يشير بوضوح إلى أن المجتمع الإسرائيلي في غالبيته مجتمع متطرف لا يؤمن بالسلام ، فحين تفوز في انتخابات الكنيست أحزاب إرهابية مثل “سموتريتش” و”بن غفير”، فهذا يؤكد أن الإسرائيليين غارقون في تطرفهم، وأنهم لا يفكرون في إنهاء الصراع إلا على حساب الدماء والأشلاء.
النظام السياسي العربي قدم كل ما يريده الغرب لإثبات حسن النوايا من أجل سلام يعمّ المنطقة وينهي الصراع، لكن من دون جدوى، فعلى امتداد أربعة عقود، ظل الإسرائيليون مصرّين على مشروعهم، يرون في العرب أعداءً، وفي الأرض ملكًا خالصًا لهم، ليس في فلسطين فقط، بل في كامل مساحة “الحلم الصهيوني” الممتد في بلاد العرب ، وما جرى ويجري في نهر الأحداث منذ عقود الصراع يؤكد ذلك.
لذلك كله، علينا ألا نتفاجأ بتصريحات القادة الإسرائيليين، بعد كل ما جرى عبر سنوات الصراع الطويلة من إجرام وغرور صهيوني ، ولهذا كله نحن كعرب ومسلمين أيضًا مادامت إسرائيل لا تريد الإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ولابسيادة الدول العربية لا نعترف بها!..