هي الولايات المتحدة، وتشرذم العرب، لا ضعفهم كما يستهوي البعض قوله. والمثل عربي قديم يضرب فيمن يمارس جبروت وتسلط يدفع الآخر للسؤال بدهشة عن مصدر الأمر. وبالطبع تعود جذوره إلى قصة سيدنا موسى، عليه السلام، الشهيرة مع فرعون، لكنها في زماننا هذا تنطبق على قادة الصهاينة، ويتزعمهم في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وزمرة جنرالات الحرب من حوله.
فما أن انطلقت حربهم المسعورة على غزة وأهلها الصابرين المرابطين، وعامها الثاني ينتهي في بضعة شهور، حتى واشتعلت شهيتهم الدموية للقتل والتنكيل هنا وهناك، وكل ذلك، كما يزعمون، لضمان تفوق كيانهم عسكريا في المنطقة، خوفا على مستقبل دولتهم من الزوال.
وما أن ضربت إسرائيل حزب الله في مقتل، حتى تداعت كل المسوغات لديها لضرب إيران وتعطيل برنامجها النووي، بمباركة ومشاركة بلاد العم سام، وسيد البيت الأبيض فيها، دونالد ترامب، والذي قدم من الدعم السياسي والعسكري لبني صهيون، ما لم يقدمه أحد من قبل.
وها هي يد البطش الإسرائيلية تمتد إلى سورية بحجة كاذبة دفاعا عن الأقلية الدرزية في ظل المواجهات الدامية بين الفصائل المحلية في السويداء، وهذا ليس شأنها بطبيعة الحال، وهو موضوع سيادي بيد الدولة السورية، ومع ذلك فإن غرور وطغيان قادة تل أبيب دفعهم إلى التدخل بالأمر حتى وصل إلى ضرب محيط مبنى رئاسة الأركان والقصر الرئاسي في دمشق، واشتراط أن يكون الجنوب السوري منزوع السلاح. وهذا قد يكون، كما يرى البعض، مقدمة إسرائيلية لتقسيم سورية وتحقيق أهدافها التوسعية ترجمة لأضغاث أحلام قادة الصهيونية الدينية.
والسؤال: إلى متى سيبقى الكيان الصهيوني يصول ويعبث في الشرق الأوسط فسادا، والأهم أين نحن عربا من كل ذلك؟
لا بد من تحرك عربي، ومن خلفه أممي حازم، تدرك إسرائيل من خلاله أنها ليست فوق القانون الدولي، وأنها ستحاسب على أفعالها، فعلا لا قولا. وهذا يستدعي، بين كثير من الأشياء، تفعيل قوة الردع العربي الجمعية، دبلوماسيا في البداية وبعد ذلك ليكن ما يكن، وهذا حتى لا نصل إلى مرحلة من الضعف والهوان لا ينفع الندم والحسرة بعدها، خصوصا وأن الاستهداف الإسرائيلي سيستمر في السعي لصياغة شرق أوسط جديد تكون فيه الدولة اليهودية صاحبة اليد العليا. فهل يستيقظ العرب، وهم قادرون على ذلك إن وحدوا كلمتهم وفعلهم.
وإن كان نتنياهو يتبجح بمقولة “فرض السلام بالقوة،” فالأولى أن تكون استراتيجية العرب “فرض السلام بقوة الوحدة العربية،” وذلك نصرة لمكانتهم ومستقبل أجيالهم بين الأمم قبل كل شيء. والبداية لكل ذلك تكمن في قلب الطاولة على نتنياهو، وحشد الإجماع الإسرائيلي والدولي، على حد سواء، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ووقتها ستتحرك قوى السلام في العالم كله لدعم ذلك. فقد أضحت عبارة “فلسطين حرة” ما تردده حناجر المليارات من الرجال والنساء والأطفال في شتى بقاع الأرض.