العموم نيوز: في طبعة جديدة من “ديوان أبي الطيب المتنبي” التي صدرت عن دار “بيت الحكمة” في القاهرة، يتجلى الجهد الكبير للأديب والدبلوماسي المصري د. عبد الوهاب عزام في تحقيق هذا العمل الأدبي الضخم. وقد سبق لدكتور عزام أن نشر العديد من الدراسات المتعلقة بالشاعر، منها كتابه الشهير “ذكرى أبي الطيب المتنبي بعد ألف عام”، ليضيف بذلك لمسة علمية وأدبية جديدة في فهم شعر المتنبي.
تحقيق دقيق وموثَّق
على الرغم من تعدد التحقيقات التي أُجريت على ديوان المتنبي، يتميز جهد د. عبد الوهاب عزام بدقة علمية وفنية، حيث جمع بين الإحاطة العلمية وفن التعبير الشعري. يقدم عزام في هذه الطبعة نسخة موثقة من ديوان المتنبي، تسهل على القارئ فهم أشعار هذا الشاعر العظيم وتقديرها.
الفلسفة الشعرية للمتنبي: قوة وإبداع
المتنبي كان شاعرًا واعيًا تمامًا لإبداعه وقيمته، حيث كان يدرك أن شعره سيظل حيًا في ذاكرة الأجيال. قصائده ملهمة، وقد اخترقت الحياة اليومية للناس من خلال الأمثال المأثورة التي يتداولها الجميع دون أن يعلموا أنها من شعر المتنبي. كما كان المتنبي يطمح دائمًا إلى الكمال ويعكس “فلسفة القوة” في شعره، وهي الفلسفة التي لم تبرز بشكل جلي إلا في فترات لاحقة من التاريخ.
الاحتفاء بذكرى ميلاد المتنبي: جهد علمي وعاطفي
في مقدمته للديوان، يذكر د. عزام أن العالم العربي قد احتفل بمرور ألف عام على ميلاد المتنبي، حيث أُقيمت سلسلة محاضرات في جامعة القاهرة حول تاريخ وأدب المتنبي. وكانت هذه المحاضرات بمثابة نقطة انطلاق لمشروع عزام البحثي، الذي بدأه منذ صباه، وواصل البحث في مخطوطات “دار الكتب المصرية” ودراسة أشعار المتنبي.
بحث أكاديمي دقيق: من المخطوطات إلى النسخ النادرة
رحلة عزام البحثية شملت السفر إلى العراق، حيث اكتشف نسخًا قديمة من ديوان المتنبي، مثل النسخة “البغدادية”. كما ألقى محاضرة في دمشق حول المناسبة، مما أثرى عمله. وعند عودته إلى القاهرة، اقترح على قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة أن تُخرج نسخة صحيحة وموثوقة من الديوان. استمر عزام في عمله لأعوام عديدة، مدفوعًا بشغفه العميق لتحقيق هذا المشروع.
محتوى الديوان: مدح وهجاء وغزل
وفقًا لد. عزام، تركز معظم قصائد المتنبي على المدح والرثاء والهجاء، مع تخلل بعض الأبيات التي تتناول الغزل والفخر والوصف. يتضمن الديوان نحو ثلاثين قصيدة وقطعة نظمها المتنبي لنفسه، بعيدًا عن موضوعات المدح والهجاء. ويقدم عزام في هذه الطبعة شروحات مفصلة حول الأحداث والظروف التي ألهمت المتنبي لكتابة هذه القصائد.
التفاصيل الدقيقة: من إملاء الشاعر نفسه
تتميز هذه الطبعة من الديوان بالمقدمات التي تشرح الحوادث التي ألهمت الشاعر، حيث يُعتقد أن بعض هذه المقدمات كانت من إملاء المتنبي نفسه. هذا التأريخ الدقيق للأحداث التي خلفت القصائد يعد من أبرز خصائص الديوان، حيث لم يكن المتنبي يصطحب راوية في رحلاته المتعددة عبر الصحاري والبراري، ما يجعله المصدر الوحيد لهذه التفاصيل.
تعتبر هذه الطبعة الجديدة من “ديوان أبي الطيب المتنبي” إنجازًا أدبيًا وعلميًا يعكس عمق الفهم لشعر المتنبي ومواقفه، مما يجعلها مصدرًا قيمًا لكل محبي الأدب العربي.