تعبر سوريا في هذه الأيام منعطفًا خطيرًا، ربما يكون من أصعب المنعطفات التي مرت بها البلاد منذ التحرير، حيث تواجه خطر التقسيم والفوضى اللذين سيؤديان لا قدر الله، إلى الاقتتال بين السوريين إذا فلت زمام الأمور من أولياء الأمر.
فبعد كل الجهود الضخمة التي بذلتها الدولة السورية الجديدة، بعد سقوط النظام البائد وتحرير البلاد من قبضة الحكم الأسدي الساقط، لإعادة سوريا إلى المنظومة العربية والدولية كدولة فعالة ذات سيادة، تمتلك اقتصادًا يخدم شعبها ويخرجه من كوارث الماضي على امتداد ستين عامًا، ورفع العقوبات الدولية لتمكين السوريين من إعادة بناء دولتهم، وتوحيد الشعب على هدف واحد، وإعادة الحياة إلى مفاصل الدولة بعد أن فرقتهم الحرب التي شنها الأسد الهالك عليهم وعصابته، وأذكت بينهم نار الطائفية والفتنة، اقتنص البعض هذا الحال وحاول وما يزال الانفصال عن الدولة الأم وإقامة كيان مستقل عن وحدة الجغرافية الوطنية.
ووجد هؤلاء من يدعمهم ويؤيدهم، وبالمقدمة إسرائيل التي لا تريد أن تكون سوريا دولة قوية ذات سيادة، فقد اعتادت أن تكون ضعيفة فيها نظام متهالك يعيش على حالة فراق مع السوريين ودولة منبوذة من كل العالم ، ورأت في إسقاط النظام تهديدًا لمشروعها بالهيمنة على المنطقة التي أعلنت عنه بعد السابع من أكتوبر لعام 1923، وفتحها جبهات متعددة على دول عربية مثل لبنان وسوريا، وتهديد دول أخرى في نشوة عند نتنياهو وإظهار نفسه أمام الإسرائيليين أنه القائد التاريخي والوصي على المشروع الصهيوني في توسع إسرائيل وتحقيق الهدف في السيطرة على الشرق الأوسط.
وهذا هو الستار الذي يخفي خلفه نتنياهو رغبته في استمرار الحرب على كافة الجبهات حتى يحافظ على وجوده على رأس الحكومة في تل أبيب، وحماية تحالفه الذي يضمن له البقاء في الحكم، وحماية نفسه من مصير أسود ينتظره في حال خروجه من رئاسة الوزراء ، وهو يرى اليوم أن تسخين الجبهة السورية فرصة تخدم نواياه وأطماعه، مع الإشارة إلى أن الحكومة السورية أعلنت أكثر من مرة أنها ليست بصدد الصدام مع أي من جيرانها، وأنها معنية فقط بإعادة بناء الدولة وتأهيلها لتمكين الشعب السوري من استئناف حياة طبيعية.
ولم تخف إسرائيل نواياها منذ اللحظة الأولى لتحرير سوريا من قبضة البعث، فقد احتلت مساحات شاسعة من جنوب سوريا، وهي اليوم ترى في الفوضى التي وقعت في بعض المناطق السورية فرصة سانحة للتدخل في الشأن السوري وبالأخص في مدن الجنوب وبالذات في السويداء، معقل الطائفة الدرزية ، وللأسف، فإن مجموعة صغيرة من هذه الطائفة ذات الأصول العربية الأصيلة والمواقف التاريخية في الدفاع عن أمتها ووطنها تريد أن تعطي شرعية لإسرائيل للاعتداء على السيادة السورية بحجة حماية الدروز، الذين في معظمهم يرفضون هذا الادعاء ويصرون على أنهم جزء أصيل من الشعب السوري، وأن مصلحتهم أن يكونوا مع إجماع الشعب في سعيه لبناء الدولة الوطنية الجديدة الموحدة على كل كامل التراب السوري، وهو ما رسخته المواقف العديدة والواضحة التي أعلنت عنها مرجعيات درزية دينية وسياسية واجتماعية، باستثناء مجموعة صغيرة ربما يكون لها أطماع سياسية خارج السرب الوطني، تقاطعت مصالحها مع الإسرائيليين.
على الجانب الآخر، حيث الحكومة المركزية الشرعية في دمشق، من المفروض أن تستغل الدعم العربي والدولي غير المسبوق، وتعمل على لملمة الأوراق التي تحاول إسرائيل ومعها فلول النظام الهالك، وربما الدول التي كانت حليفة له، وأن تتخطى كل الألغام بحنكة سياسية وبرؤية وطنية لإنجاز ما يحلم به الشعب السوري، واستيعاب كل السوريين بمختلف طوائفهم وأخذ مطالبهم على محمل الجد..كذلك على الدولة العربية الوقوف إلى جانب سوريا بشكل فعال يحميها من مخططات التقسيم وجعلها دولة فاشلة غارقة في الفوضى والاقتتال تهدد كامل الأمن القومي العربي بكامله..
المطلوب اليوم من الجميع دعم جهود الدولة السورية بإعادة البناء لصالح الشعب السوري الذي عانى لعقود طويلة من القمع والقتل والتشريد..