الدراسة التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بقيادة المفكر الدكتور مصطفى حمارنة، تحت عنوان “معان: أزمة مفتوحة”، يمكن الاستناد اليها كمرجع مهم لفهم واقع هذه المحافظة. فقد خلصت بوضوح إلى أن معان لا تعاني من مشكلة أمنية في جوهرها، بل تواجه أزمة تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية متشابكة. وبحسب ما تردّد، فإن إنجاز هذه الدراسة كان بطلب مباشر من القصر، وتم رفع نتائجها إلى الجهات المعنية في حينها.
ورغم ذلك، ظل اسم معان لدى فئة من المجتمع الأردني مصبوغاً بسمعة غير عادلة، نتيجة إفرازات ما بعد هبّة نيسان عام 1989، وتداعيات الأحداث المتفرقة الممتدة حتى عام 2022. هذا الانطباع السلبي لم يأت من فراغ، بل ترسّخ في الوعي العام عبر روايات وإشاعات متراكمة صوّرت المحافظة وكأنها منطقة خارجة عن القانون.
أتذكر جيداً في عام 2006 او 2007، وفي إحدى الفعاليات الجامعية، حضرت مسؤولة كضيفة إلى الجامعة، وكانت ملامح الخوف والتوتر واضحة عليها، وكأنها لا تصدق أنها وصلت إلى مدينة معان دون أن تتعرض لأذى. عندها أيقنت أن الصورة الذهنية للمحافظة قد شوهت بشكل كامل، سواء بشكل متعمد أو بشكل غير واع، حتى أصبحت النظرة تجاهها محكومة بالريبة والقلق.
ما دفعني اليوم إلى استحضار معان هو التقرير الأخير الذي صدر عن جهات رسمية وتناولته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والذي أشار إلى أن محافظة معان تسجّل أعلى نسبة بطالة في الأردن، وبنسبة تبلغ 33.9%. هذه النسبة لا يمكن النظر إليها كرقم مجرد، بل هي مؤشر صريح على عمق التحديات التنموية التي ما زالت قائمة، والتي تؤكد أن الأزمة لم تحل، وأن تراكم الإخفاقات جعل من معان مرآة لأزمة تنموية أوسع في البلاد.
إن معان ليست أزمة أمنية كما حاول البعض تصويرها، بل هي نموذج يطرح العديد من الأسئلة حول جدوى السياسات التنموية في المحافظات، وحول ما إذا كانت الحكومات المتعاقبة قد امتلكت الإرادة والرؤية لمعالجة الجذور، أم اكتفت بملاحقة نتائج وتبعات غياب عدالة توزيع التنمية.
وللحديث بقية…