بين عامي 2011 و2019، تشرفت بقيادة شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ خلال واحدة من أكثر الفترات حساسية على المستوى الإقليمي. واليوم، ونحن نشهد بداية مرحلة جديدة في سوريا بعد نهاية الأزمة في أواخر عام 2024، تتجدد أهمية العقبة بمنظومة موانئها كمنظومة محورية في دعم جهود إعادة الإعمار في الجمهورية العربية السورية الشقيقة.
من المعروف أن موانئ سوريا، وخاصة مينائي اللاذقية وطرطوس، خرجت من الأزمة منهكة بنيويًا، وتحتاج إلى سنوات من العمل المكثف حتى تستعيد دورها اللوجستي الحيوي. وهنا، تبرز العقبة ليس فقط كبوابة آمنة ومستقرة على البحر الأحمر، بل كمنصة إقليمية يمكن أن تساهم بفعالية في دعم سلسلة النقل والإمداد إلى الداخل السوري خلال هذه المرحلة الدقيقة.
لقد أثبتت منظومة موانئ العقبة مراراً قدرتها على الاستجابة الاستثنائية للتحديات الجيوسياسية. ففي تسعينيات القرن الماضي، كان يُطلق عليها اسم “الميناء المجنون” حين أصبح المنفذ الرئيسي للعراق المحاصر، واستوعب حركة هائلة للبضائع والسلع التي ساعدت في كسر العزلة الاقتصادية عن بغداد.
هذا الدور لم يكن مجرد استجابة ظرفية، بل ناتج عن موقع جغرافي استراتيجي، وقدرة تشغيلية مرنة، وقيادة ذات عقلية وإرادة تفكر إقليميًا، وتُدير محليًا بكفاءة.
في السياق السوري اليوم، ومع بدء انفتاح دمشق على محيطها العربي، يمكن للعقبة أن تؤدي دورًا لوجستيًا داعمًا عبر تسهيل حركة البضائع ومواد البناء، وتمكين شركات المقاولات، والدول المانحة، والمنظمات الأممية من استخدام العقبة كبوابة عبور نحو الداخل السوري، خاصة في ظل الحاجة لمنافذ موثوقة وسلسة بعيدًا عن التعقيدات السياسية أو المخاطر الأمنية.
علاوة على ذلك، فإن التفكير بالتكامل بين منظومة موانئ الأردن وسوريا الشقيقة ليس فقط خيارًا اقتصاديًا، بل خطوة ذكية نحو تعزيز الترابط الإقليمي، وتحويل الجغرافيا إلى أداة تعاون لا إلى حاجز.
إعادة إعمار سوريا ليست مسؤولية السوريين وحدهم، بل مشروع إقليمي تتداخل فيه المصالح مع القيم، والمبادئ مع الواقع العملي. والعقبة، بتاريخها وتجربتها ومرونتها، مؤهلة أن تكون إحدى أدوات هذا المشروع.
في لحظة مفصلية كهذه، المطلوب تفكير عملي واستراتيجي. المطلوب بوابات مفتوحة، وخبرات متراكمة، وإرادة قوية تعمل بروح الفريق وكلها متوفرة في العقبة.
كما ويجب التأكيد على ان ما يعزز هذا التوجه ويدعمه بشكل فعّال هو وجود قيادة هاشمية ذات رؤية ثاقبة واعية ومبادرة، تنظر إلى الفرص الاستراتيجية بعين واقعية ومسؤولة. فصنّاع القرار في عمّان، وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء وكافة المعنيين، يتمتعون برؤية واضحة ومرونة عالية في التعامل مع المتغيرات الإقليمية، الأمر الذي يُمكّن منظومة النقل واللوجستيات من أداء دور محوري. كما أن القيادات التنفيذية في العقبة أثبتت كفاءة عالية في ترجمة هذه الرؤية إلى مشاريع عملية ومبادرات ناجحة، مما يجعل من الأردن بما يمتلكه من منظومة موانئ بحرية حديثة ومتطورة في العقبة، شريكًا إقليميًا جديرًا بالثقة في مرحلة إعادة الإعمار القادمة.