مقاطع الفيديو المتعلقة بتصوير الحوادث التي أصبحت منتشرة في العالم كله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة صورها أشخاص عاديون موجودون في موقع الحدث بثبات انفعالي كبير وكأنهم منفصلون تماماً عنه، لم يفكر كثير منهم في أن الأولى كان تقديم يد المساعدة أو محاولة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بخاصة في حال كان هناك شخص يحتاج إلى إغاثة
تجمهر كبير من الناس يشاهد حادثة أو مشاجرة في مكان ما، ترتفع أيدي المشاهدين ليس لتقديم المساعدة، لكن لرفع الهواتف المحمولة، للحصول على أفضل زاوية لتصوير المشهد الذي غالباً ما سيحقق أعلى نسب المشاهدة بعد رفعه على وسائل التواصل الاجتماعي بساعات قليلة، هكذا أصبحت الحال فلم تعد الظاهرة مقصورة على منطقة بعينها أو مجتمع معين.
مقاطع الفيديو المتعلقة بتصوير الحوادث، التي أصبحت منتشرة في العالم كله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة صورها أشخاص عاديون موجودون في موقع الحدث بثبات انفعالي كبير، وكأنهم منفصلون تماماً عن المشهد، بل إن بعضهم تفنن في اختيار زوايا التصوير المثالية ليظهر الفيديو في أفضل صورة ممكنة، إذ لم يفكر كثير منهم في أن الأولى كان تقديم يد المساعدة، أو محاولة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بخاصة في حال كان هناك شخص يحتاج إلى إغاثة.
وأخيراً انتشر في مصر مقطع فيديو يتضمن اشتباكاً بين طالبتين في واحدة من المدارس الدولية لتنهال إحداهما بالضرب على الأخرى وسط سلبية شديدة من باقي الطلاب، الذين صور بعضهم المشهد ورفعه على منصات التواصل الاجتماعي، ليحقق انتشاراً كبيراً، وهي الحادثة التي لن تكون الأخيرة، فهوس السوشيال ميديا و التريند وتحقيق أعلى نسب المشاهدة أصبح أحياناً بلا ضوابط وبلا أخلاقيات وفي بعض الأحيان يفتقر إلى الرحمة.
وبينما فريق يستمتع بمشاهدة مثل هذه المقاطع، فإن هناك فريقاً آخر يستنكر، ويرى أن السوشيال ميديا أفقدت الناس جزءاً من إنسانيتهم، وأن القادم سيكون أسوأ مع اعتياد الأجيال الجديدة هذا الوضع، واعتماد قطاع كبير منهم السلبية، بل وأحياناً تحقيق المنافع الشخصية من وراء مثل هذه الحوادث، بنشرها على صفحاتهم لترتفع أعداد المتابعين وتنخفض القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع.
تأثير المتفرج
يرجع الطب النفسي جزءاً من هذه الظاهرة إلى ما يطلق عليه “تأثير المتفرج”، وهي نظرية اعتمدها جون دارلي عالم النفس الأميركي عام 1968، بعد إجراء دراسات وأبحاث ارتبطت بهذا السلوك، وكان المرجع الأساس والدافع إلى القيام بهذه الأبحاث هي حادثة شهيرة وقعت في العام نفسه لفتاة تدعى كيتى جينوفيزا في نيويورك، إذ طعنها شخص واغتصبها وقتلها أمام عدد من الموجودين بالمنطقة.
وعلى رغم استغاثة الفتاة فإن أحداً لم يتقدم لإنقاذها من الأشخاص الموجودين في موقع الحادثة، الذين قدر عددهم بـ38 شخصاً، حتى إنه لم يتصل أحد بالشرطة إلا بعد وفاة الضحية بالفعل، ليثير الأمر وقتها حالاً غريبة تستدعي الدراسة والبحث من علماء النفس.
يفسر استشاري الطب النفسي، الأستاذ المساعد بجامعة الأزهر، محمد حمودة، الأمر “أثبتت التجارب العلمية أن هناك علاقة عكسية بين تقديم المساعدة وعدد المشاهدين لحادثة معينة، فكلما كان العدد أقل في مثل هذه المواقف كانت المساعدة أسرع والعكس صحيح، هذه الحالة يطلق عليها (تأثير المتفرج) عندما يكون هناك تجمع كبير أمام حادثة أو معركة فكل شخص ينتظر الآخر أن يقوم هو بالمساعدة، فتكون النتيجة أنه لا أحد يتحرك لتقديم العون بعكس لو كان من في الموقع شخص واحد أو عدد محدود من الناس”.